“فرنسا ستقوم بتوسيع مفهوم معاداة السامية ليشمل معاداة الصهيونية”، هذا ما أعلنه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في العشاء السنوي للمجلس التمثيلي ليهود فرنسا، ولكنه أشار إلى أن القانون لن يتضمن نصا خاصا ومباشرا لتجريم معاداة الصهيونية، وهو رد غير مباشر على الدعوات التي تعالت لإصدار قانون يجرم معاداة الصهيونية، بعد تعرض فيلسوف يهودي شهير لإهانة من قبل فرنسي اعتنق الإسلام والفكر السلفي كان في مظاهرة للسترات الصفراء، ووصفه فيها بـ”الصهيوني القذر”.
جدل كبير في فرنسا حول هذه القضية، يغطي عمليا على حركة السترات الصفراء ومطالبها، منذ أن اقترح أحد نواب الأغلبية إصدار قانون لتجريم معاداة الصهيونية، والجدل يقوم، في أحد جوانبه على ارتفاع الأفعال والجرائم المعادية للسامية في فرنسا، بدء من النقوش التي تسب اليهود والاعتداء على مقابرهم وحتى الاعتداء العنيف على يهود والذي وصل في بعض الأحيان حتى القتل، إذ تشير الإحصائيات إلى ارتفاع هذه الجرائم بنسبة ٧٥٪ العام الماضي وحده، ويصنف المراقبون المعادين للسامية في فرنسا إلى عدة فئات، أقدمها تلك المرتبطة باليمين المتطرف وتاريخ فرنسي في معاداة السامية، وفئة حديثة تتمثل في الإسلاميين الفرنسيين، وفئة ثالثة يضيفها البعض وهي اليسار المتطرف الذي يقولون أنه معاد للسامية من خلال مواقفه المؤيدة للقضية الفلسطينية ضد إسرائيل.
وتأتي مسألة اعتبار معاداة الصهيونية كشكل حديث من معاداة السامية على أساس الموقف من دولة إسرائيل، وهو ما أثار اعتراضات الكثير من المثقفين الفرنسيين، الذين يتفقون أن معاداة السامية هي معاداة لأتباع دين، وهي بالتالي شكل من أشكال العنصرية، بينما الموقف من الصهيونية هو موقف من إيديولوجية سياسية ظهرت في نهاية القرن التاسع عشر، وتقييد المواقف منها، يعني بالتبعية تجريم أي انتقادات لدولة إسرائيل، وكما أوضح أحد المسئولين عن المجلس التمثيلي ليهود فرنسا، تعني تجريم تحركات مثل حملة مقاطعة البضائع القادمة من المستوطنات اليهودية، وانتقاد معاملة الإسرائيليين للفلسطينيين، لتصبح الدولة الوحيدة في العالم التي يمنع القانون توجيه أي ملاحظات أو انتقادات لسياساتها.
كما يتساءل هؤلاء المراقبين عن الموقف من أعداد لا يستهان بها من اليهود المعادين أو الرافضين للصهيونية، سواء من أتباع طوائف دينية يهودية ترفض إقامة دولة إسرائيل، أصلا، أو مجموعات المثقفين الإسرائيليين الذين ظهروا حديثا ويعتبرون أن انتمائهم هو لفكر ما بعد الصهيونية، أي أنهم لا يرفضون دولة إسرائيل ولكنهم يرفضون إضفاء صفة اليهودية عليها، ويريدونها دولة لليهود والمسيحيين والمسلمين على حد سواء.
المهم هو أن هذا الجدل الكبير يخفف كثيرا العبء عن حكومة ماكرون، نظرا لأنه يغطي تماما، على حركة السترات الصفراء ومطالبها.