لمواجهة التحديات السياسية التي تطرحها حاليا ظاهرة السترات الصفراء اختار إيمانويل ماكرون أن يراهن على المقاربة الأمنية لمحاولة نزع فتيل هده الأزمة وكسب عطف الفرنسيين في الوقت الذي أصبحت فيه عملية تكرار المشاهد التخريبية والعنيفة المروعة هي التي تتصدر واجهة الأحداث في فرنسا كل يوم سبت. ويعلل مقربون من إيمانويل ماكرون هدا الخيار بالتأكيد أن الحكومة قدمت اقتصاديا واجتماعيا كل التنازلات الممكنة حول المطالب التي كانت المحرك الأساسي لهذه الاحتجاجات عبر التخلي عن الضريبة البيئية ورفع المستوى الأدنى للأجور.
ويبدو أن الرئيس الفرنسي عبر هذه الخيارات يراهن على حجم الهلع الذي قد ينتاب الراي العام الفرنسي بسبب خطورة الأحداث التي يعيشها كل نهاية أسبوع وهول الفاتورة الاقتصادية التي سيدفعها والتهديدات الأمنية التي أصبحت هذه الحركة تنتجها لكي يسحب الفرنسيون دعمهم لهده الحركة ويحولوها إلى ظاهرة معزولة لا تتمتع بحاضنة أو بعمق اجتماعي يمنحها شرعية الاحتجاج. كما يراهن ماكرون على أن هذه القبضة الحديدية التي يقترح اللجوء إليها لمواجهة المتطرفين من السترات الصفراء قد تساهم في عملية استعادة ود الفرنسيين اللذين تقول معظم استطلاعات الراي انهم ركزوا نفورهم على شخص ماكرون بسبب أسلوبه في مخاطبتهم وخياراته الاقتصادية والاجتماعية التي أعطت الانطباع انه فضل تقديم هدايا ضريبية للطبقات الميسورة على حساب الطبقات الفقيرة والمتوسطة.
الرهان على المقاربة الأمنية يحمل أخطارا سياسية قد تكون لها تداعيات غير مسبوقة على ولاية ماكرون. فإذا تبين فشل هذه الإجراءات التي أعلن عنها رئيس الحكومة إدوار فليب في مواجهة العنف الذي يتخلل احتجاجات السترات الصفراء فإن ذلك قد يضع تحت مجهر مكبر حجم الفشل الذي وصلت اليه مقاربة الرئيس ماكرون لإدارة هذه الأزمة وقد تساهم في توسيع الشرخ بينه وبين الفرنسيين ونزع ما تبقي له من مصداقية. وضع سياسي قاتل عشية استحقاقات انتخابية أوروبية وبلدية كان الرئيس ماكرون يعول عليها كثير لتعبيد الطريق لولاية ثانية
إعداد : مصطفى الطوسة