بقلم الدكتور ابراهيم عبدالله المطرف
طالعنا الإعلام الكويتي ، يوم أمس الجمعة ، الرابع من ديسمبر 2020 ، بتهنئة موجهة من أمير الكويت الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح ، لقادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية ، مهنئا بالخطوة التاريخية التي أوصلت إلى إتفاق نهائي لحل الخلاف بين الأشقاء ، معربا سموه عن سعادته وإرتياحه للإتفاق ، ومؤكدا على حرص كافة الأطراف على التضامن والتماسك والإستقرار، ومنوها بجهود أمير الكويت الراحل الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح ، تغمده الله بواسع رحمته ، في قيادة تلك الجهود منذ اليوم الأول للخلاف .
وتلى تهنئة سمو أمير الكويت سلمه الله ، إيضاح وزير الخارجية السعودي بأن حل الأزمة جاء عبر إتفاق مرضي لجميع الأطراف ، معربا سموه عن تقدير المملكة للجهود الكويتية والمساعي الأمريكية التي ساعدت على تسوية الأزمة ، ومتطلعا لكل ما فيه خير ومصلحة المنطقة .
فيما أشاد وزير الخارجية القطري بالكويت ومساعيها لحل الأزمة مقدرا الجهود الامريكية. أما الأمين العام لمجلس التعاون، قد أبدى تطلعه لتعزيز وتقوية البيت الخليجي ، والنظر للمستقبل بكل ما يحمله من آمال وطموحات وفرص نحو كيان خليجي مترابط .
ينظر إلى قيام مجلس التعاون ، كمعلما بارزا في التاريخ العربي الحديث ، وتجربة “شجاعة” في التعاون العربي الإقليمي ، معلم جاءت به الحقائق التاريخية والجغرافية والاقتصادية والثقافية والسياسية بين دوله .
جاء المجلس في 25 مايو 1980 ، بعد أن تمت الموافقة عليه في مؤتمر جمع قادة الدول الست ، تقنينا للعلاقات الثنائية التي كانت سائدة بينها ، وعكس إستعدادها لتعاون وتنسيق أكبر ، في شئون السياسة والاقتصاد والأمن والطاقة وغيرها . تغمد الله المتوفى من قادة دول مجلس التعاون بواسع رحمته .
لقد سبق قيام مجلس التعاون تاريخ طويل من محاولات التعاون العربي ، محاولات جاءت بدرجات متفاوتة ، من أجل تعاون عربي عريض في مختلف المجالات ، فقد إتخذ التعاون بين الدول العربية منذ الستينيات وأوائل السبعينيات أشكال مختلفة ، وجاء على مستويات متعددة ، وألفاظ تعاونية منمقة ، تجاوزت الواقع أحيانا .
ولقد كان التكامل الاقتصادي على وجه الخصوص ، معتقدا أساسيا في نظريات الوحدة العربية ، حيث أحس مؤسسوا حركة الوحدة العربية أن في وسع مجموعة من البلدان العربية الموحدة اقتصاديا ، بفضل الكثافة السكانية لهذه البلدان وثرواتها من الموارد الطبيعية وتنوع ظروفها الاقتصادية ، من تحقيق الأهداف السياسية .
قادت هذه الحركة إلى عدة محاولات للإتحاد السياسي والاقتصادي ، وخلال الفترة من 1958 وحتى 1971 ، قامت الجمهورية العربية المتحدة ، التي وحدت مصر وسوريا لفترة قصيرة، وانهارت نظرا لعدم تمكنها من تحقيق أهدافها. كما لم تنجح محاولات أخرى بين سوريا ومصر والأردن وليبيا والسودان وغيرها . ولذلك فإنه يمكن القول ، بان تاريخ هذه المحاولات التعاونية الوحدوية العربية ، قد إتسم بفشل واضح .
أما مجلس التعاون لدول الخليج العربية ، الذي أرسيت قواعده بمتانة ، فقد أخذ يقيم البنى، ويصيغ التصورات ، ويمارس التكامل في مجالات عديدة . فقد تأسس المجلس على وحدة الرؤية، والتكافؤ ، ونكران الذات ، وليس على أساس هيمنة دولة على أخرى ، وكانت صيغة جديدة ومختلفة ، عن كل ما سبقها من محاولات تعاونية وحدوية .
لم يحاول مجلس التعاون ، القفز على خصوصيات كل شعب من شعوب الدول الست ، بل أراد أن يذيبها ، من خلال تطور متدرج يخلق الوحدة المأمونة ، دون أي طموح في إقامة محور عربي يهدف لمواجهة محاور أخرى ، بل خلافا لذلك ، أراد مصلحة الأمة كلها .
لقد برز مجلس التعاون منذ إعلان ميلاده ، كمجموعة مؤثرة وفاعلة في المجتمع الدولي اقتصاديا وسياسيا ، ولقد حققت مسيرته إنجازات على طريق تحقيق التكامل في مختلف المجالات .
فعلى مستوى العالم العربي ، مثلت ممارسات المجلس ومواقفه منذ قيامه ترجمة لإبراز أهدافه التي حددها قادته ، وهي أن المجلس ، وكما أعلن عند تأسيسه “درع إضافي واق لجسم الأمة العربية ، وانه لا يمكن النظر إليه إلا كجزء من الجهد العربي المتواصل ، لدعم المواقف العربية وزيادة فاعلية جامعة الدول العربية” .
وإنطلاقا من هذا المفهوم السياسي الشفاف ، وحشد طاقات الأمة ورأب الصدع بين صفوفها ، أصبحت تلك السياسة “منهجا ثابتا” في منطلقات سياسة المجلس الخارجية ، التي إستنت نهجا للتعامل مع الأحداث والمتغيرات الدولية ، نهجا يتجاوز المتابعة إلى الرصد والدراسة ، نهجا يستند الى المعلومات وتحليلها وتوثيقها ، للتعامل معها من خلال الموقف ، أو القرار الصائب .
لقد عملت القمم التي عقدها المجلس الأعلى منذ التأسيس ، على تقوية المجلس سياسيا واقتصاديا وعسكريا ، ليصبح قادرا على التفاعل مع المتغيرات والأحداث التي يشهدها المجتمع الدولي ، من خلال مشاركات إقليمية ودولية فاعلة ، مشاركات إستثمر المجلس فيها حضوره الاقتصادي والسياسي الدولي الواسع ، ومكانته المميزة المرموقة التي إحتلها على خريطة علاقاته الخارجية ، إستثمرها دعما لإستراتيجياته ، وسياساته ، وأمنه ، ومصالحه الحيوية .
ورغبة في عدم إستباق الأحداث وصنع التنبؤات ، فيما يخص المرحلة القادمة من عمر المجلس ومستقبله ، فقد تجنب الكاتب التطرق للإزمة التي ولله الحمد والمنة قد إنطوت صفحاتها ، وترك الكاتب الوقائع لتفصح عن نفسها ، مدركا أنها لن تكون إنشاء الله ، سوى باعثا للأمل ، ودافعا للجهد ، ومؤشرا إلى مستقبل أفضل وأروع ، لشعوب دول المجلس الست بعون من الله وتوفيقه.